الأحد، 9 يوليو 2017

الأطفال والتكنولوجيا






الأطفال والتكنولوجيا
Babies and Technology
بقلم / Cris Rowan
8/6/2013
ترجمة وتعليق الباحث/ عباس سبتي
يوليو 2017

كلمة المترجم:
الكاتبة " Cris Rowan  " طبيبة أطفال متخصصة في العلاج المهني ومؤلفة كتاب "  Virtual Child -      الحقيقة المروعة حول ما تفعله التكنولوجيا للأطفال". يمكنك معرفة المزيد عن عمل الكاتبة  www.zonein.ca، أو البريد الإلكتروني  info@zonein.ca  ، والكتاب منشور في موقع  Amazon.com، هذا وقد قمنا بترجمة عدة مقالات لها يمكن الاطلاع عليها في موقعنا المسار للبحوث التربوية والاجتماعية .

مقدمة :
كل الآباء يعرفون أن أجهزة التكنولوجيا ضارة لأطفال الرضع ، إلا أنهم مجبورون على اقتناء هذه الأجهزة بغض النظر عن منافعها ومضارها ، وبالنسبة كمعالجة مهنية للأطفال أسمع من الآباء والأمهات انبهارهم بالتطبيقات التكنولوجية وانشغال الأطفال بها ، يريد الوالدان أن ينجح الأطفال بأية طريقة كانت وأن جهاز التكنولوجيا هو طريق النجاح لهم ولو أنه يكون جهاز تسلية وترفيه ولهو ، لذا نطرح بعض التساؤلات مثل :
ما أثر انفصال الطفل عن والديه وتعلقه بجهاز التكنولوجيا ؟
ما الثمن الذي يدفعه الوالدان عندما يدخل الطفل إلى المدرسة وهو المتأخر في النمو ويعاني من السمنة وضعف في المعرفة وتأخر في النطق كنتيجة الإفراط باستخدام اجهزة التكنولوجيا ؟ ما التكاليف التي يتحملها المجتمع من تسرب طلبة المرحلة الثانوية عن المدرسة ؟ وعزل عنهم في الأماكن المغلقة لمشاهدة الأفلام الإباحية وممارسة الألعاب الالكترونية العنيفة ؟ هل لم يعد الآباء يميزون ما هو صواب أو خطأ لأطفالهم ؟ هذه المقالة تعرض لنا ما نعرفه عن تأثير التكنولوجيا الأطفال ، ولماذا فشل الآباء في معرفة الآثار السلبية من إفراط استخدام التكنولوجيا على أطفالهم ؟

هناك ثورة ليس لها مثيل في تطبيقات الأطفال على الرغم من أن الدراسات تشير إلى تأخر النطق والحركة والمعرفة لدى الطفل عند دخوله المدرسة ، وفي مقالة " أنه المنقذ  ،  It’s a Lifesaver  " ل "    Kate Silver " في مجلة " الوالدان " قالت : عندما  اصطحبت " Emily Butler " ابنتها وعمرها سنتين ونصف السنة إلى مطعم بقرب منزلها في مدينة واشنطن فأن البنت لم تنس أن تأخذ معها هاتفها المحمول ، حيث عرفت الأم أن الهاتف يمثل لابنتها شريان الحياة عندما تشعر بالضيق والملل ، وما فيه من التطبيقات والألوان التي تشغل البنت عن تناول وجبة الطعام ، وبالتالي يتناول الكبار طعامهم بهدوء والأطفال مشغولون بأجهزتهم .
 في محاولة لجعل حياة الوالدين أسهل بكثير هناك أيضا مجموعة من الأجهزة المتزايدة لأجهزة الآيفون و الآيباد تمنع التواصل والترابط بين الناس ، فكما يحل الجهاز بسرعة محل الوالد كي يصبح الطفل هادئاً فأصبح الجهاز أفيون لطفل الألفية الجديدة ، الآباء والأمهات يفشلون في ملاحظة الارتفاع المتزامن في نوبات الغضب واضطرابات السلوك لدى الطفل بسبب تعلق الطفل بجهازه  ، ونتيجة لإنشغالهما بالأجهزة المحمولة أيضا فأنهما يتركان الطفل مع جهازه .

بالطبع لا يمكن للأطفال الصغار إدارة جهاز "  iPotty"  اللوحي ، الذي يضم حارس الشاشة القابلة للإزالة ينبغي أن يصرف انتباه الطفل في انتظار "الحدث الكبير" أي التبول في المرحاض ،  وعلى مدى السنوات الخمس الماضية أبلغ المعالجون عن زيادة ملحوظة في عدد الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس الذين لا يتلقون تدريبا على استخدام المرحاض، مع ذكر الآباء أنهم ببساطة ليس لديهم الوقت ، بالنسبة للوالد  فأن جهاز "  iPad " حامل ورق التواليت لأولئك الذين يحتاجون إلى قضاء الحاجة ويكون متصلا التكنولوجيا الخاصة بهم  ، وهكذا اخترعت أجهزة يمكن تركيبها في أماكن لعب الأطفال وفي غرف النوم وغيرها ، وإذا حرم الطفل من التواصل مع والديه فأنه يتعلق بالجهاز اللوحي ، ماذا بعد ؟ من بين طفل واحد من كل (11) طفل الذين تتراوح أعمارهم بين 8-18 سنة يعاني من إدمان استخدام الأجهزة المحمولة ، و  يبدو أن الاتصال بالعالم الافتراضي مرغوب فيه أكثر من الاتصال بالبشر لدى الأطفال ، وهناك دراسات تشير إلى  أن واحدا من كل ثلاثة آباء يفضلون استخدام التكنولوجيا للعب مع أطفالهم ، بيئات المنزل والمدرسة ومقار العمل على حافة ما يعرف ب "  القطع الثلاثي ،   Triple Disconnect " أي الانقطاع عن النفس وعن الآخرين وعن الطبيعة  .
الآثار الثانوية لإفراط استخدام التكنولوجيا من قبل الرضع والأطفال الصغار يمكن أن تهدد حياتهم ،  وارتفعت معدلات حوادث الأطفال بنسبة 40 في المائة في السنوات الخمس الماضية بسبب إهمال الوالدين من هاجس وخطر التكنولوجيا ، إذ يتم وضع الرضع الصغار بشكل متزايد لفترات طويلة مع مجموعة متنوعة من الأجهزة التي يمكن أن تكون ضارة لهم من أجل أن يحصل الوالدان الوقت الكافي لاستخدام التكنولوجيا ، يقول "  MacKenzie  "  مدير مركز مؤسسة تكنولوجية : "على مر السنين أصبحت أكثر قلقا بشأن الاستخدام المفرط لأرجوحة وعربات الأطفال المزودة بالأجهزة التكنولوجية ،  وفيما يتعلق بالتأرجح، فإنني أشعر بالقلق إزاء سرعة التأرجح وطول الوقت الذي يقضيه الرضع جلوساً في التأرجح، وأتساءل كيف يؤثر ذلك على نمو دماغ الرضيع وتنميته، فضلا عن قدرته على تهدئة النفس بمرور الوقت ، هل يشعر الطفل بالمتعة والسعادة وهو يتأرجح ؟ وما تأثير عملية التأرجح دون تواصل الطفل بوالديه ؟ وهناك من الأطفال أعمارهم تتراوح بين (3-5 ) سنوات مرتبطين بالعربات وهم يتأرجحون لساعات و فهل يعتمدون على أقدامهم في الحركة وهل تقوى عضلات جسمهم  ؟   

 إن فصل الرضع والأطفال الصغار عن الاتصال البشري من خلال الإفراط في استخدام التكنولوجيا يهدد استدامة  وحياة الطفل في القرن الحادي والعشرين ، والتعلق الإنساني هو حاجة بيولوجية طبيعية  وبدون ذلك سوف يموت الأطفال ، فقد عاش البشر في "مجموعات عائلية " مع أدوار جوهرية ثابتة وحياة مليئة بالمعنى والهدف ،  ولكن في حين تم تصميم التكنولوجيا من أجل تقدم البشرية إلا  أن لها أيضا تأثير في ابتعاد البشر عن بعضهم لبعض، وتقليل المشاركة باعتبارها "حزمة" الأسرة. هل يمكن أن يتكيف البشر مع هذا الشعور المتزايد بالعزلة عن بعضهم بعض، وماذا سيكون تأثير ذلك على الأطفال الصغار والأطفال الذين لديهم اتصال ضئيل أو لا  بوالديهم ؟

وقد حدد "   John Bowlby "  وهو محلل نفسي بريطاني في الأربعينيات والخمسينات من القرن الماضي ، أن الأطفال وهم في طور النمو يحتاجون إلى "قاعدة آمنة" خاصة عندما يشعرون بالتهديد أو الخوف ، ويصف . ويصف الدور الثاني للوالدين، وهو دفع الطفل إلى العالم من أجل استكشاف الذات والتنظيم الذاتي، والاستقلال عن الوالدين بعد ذلك ،  وبالتالي فإن وظيفة الوالدين هي من  شقين، لتوفير عوامل نمو الطفل مع "قاعدة آمنة" وأيضا دفعه وتشجيعه على اكتشاف ذاته ، ويعرف " Bowlby " عامل التعلق بالوالدين أنه رابطة عاطفية وأمر ضروري للبقاء على قيد الحياة ، وتسمح هذه الرابطة  حصول الطفل على احتياجاتهم  (الأمن وكشف الذات ) ، وقامت " Mary Ainsworth "  وهي مختصة بعلم النفس التنموي في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بتصميم طريقة لاختبار نظرية " Bowlby" حيث اكتشفت ثلاثة أنماط سلوكية متميزة للتعلق تم تصنيفها على النحو التالي  :
نوع " أ " تجنب التعلق من خلال رفض الأبوان الطفل وإهماله والسخرية منه ، فيشعر الطفل بالحزن والأسى ويقمع مشاعره ويكون أكثر اعتماداً على الذات للحصول على احتياجاته ويشعر عدم حاجته إلى أحد الأبوين .
نوع " ب " ويسمى التعلق الآمن حيث يشعر الوالدان بالمسئولية اتجاه الطفل ويتعلم الطفل كيف يحصل على احتياجاته من خلال التعبير عنها .
نوع " ج " يسمى التعلق المتردد حيث يكون الوالدان غير متعلقين بالطفل فيعاني الطفل من المشاعر السلبية ويزيد اعتماده على غيره لتلبية احتياجاته وبشعر بحاجته إلى والديه .

لم تكشف الدراسات عن تأثير التكنولوجيا على تشكيل تعلق الطفل بالجهاز اللوحي بشكل كافي ، وما فهمه الباحثون الخوف من العلاقة والتعلق كسبب لحالة الإدمان لدى الأطفال ، وهذا الخوف يرجع إلى عدم وجود علاقة بين الطفل ووالديه ،  وقد وثق الباحثون أيضا أن الارتباط بأجهزة التكنولوجيات مثل التلفزيون والأفلام والإنترنت وألعاب الفيديو والمواد الإباحية والهواتف المحمولة وأجهزة إيباد تؤدي إلى "انفصال" عن كل ما هو بشري ، وهذا الانفصال البشري بسبب الإفراط في استخدام هذه الأجهزة ، ومن الصعب تحديد الآثار الفورية لهذه الأجهزة على الأطفال على المدى الطويل ،   ويمكن الاعتماد على الإحصائيات المتعلقة بصحة الطفل وبدراسته المدرسية لمعرفة ما الخطأ في تربية الأطفال ، هناك " 30% " من الأطفال يعانون من السمنة و " 30% " يتأخر نموهم الطبيعي و " 14،3%" يعانون من اضطرابات الصحة النفسية وما بين " 20%-30% " يعانون من صعوبات التعلم ، وواحد من كل (11) طفل يعاني من حالة الإدمان ، وكل هذه المشكلات والأمراض بسبب الإفراط في استخدام اجهزة التكنولوجيا .


  مع كل هذا الارتباط  بالتكنولوجيا فأن العلاقات الأولية  سوف تقطع أو ما هو أسوأ من ذلك أي عدم تشكيل هذه العلاقات على الإطلاق ، ثم أن التعلق الإنساني يؤثر تأثيرا عميقا على كل جانب من جوانب التنمية البشرية: العقل والجسد والعواطف والقدرة الاجتماعية والقيم والإنتاجية ، ونحن نعلم أن شعور الرضع بالأمن بعد تعلقه بوالديه سوف يعني اكتساب أفضل لتقدير الذات والاستقلال والتنظيم الذاتي، والحكم الذاتي، والصداقات الدائمة والثقة بالنفس والتعاطف والقدرة على الصمود ،  فماذا سيحدث عندما تهيمن أنماط التعلق من النوع "أ" و "ج" على المجتمع؟ ما هو نوع الوالدين من النوع "أ" و "ج"، وما هو نوع الجيل الثالث من الأطفال الذين سيولدون من أنماط " أ " و " ب " ؟ فيصبح تعلق الطفل بوالديه سمة شخصية للماضي، لأن البشر ينموون أكثر من أي وقت مضى  وأكثر عزلة عن بعضهم بعض .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق