الأحد، 10 أغسطس 2014

هل التكنولوجيا تضعف مهارة إبداع الأطفال ؟




هل التكنولوجيا تضعف  مهارة إبداع الأطفال  ؟
الباحث/ عباس سبتي
6/3/2014

مقدمة :
     في عصر التكنولوجيا لا يستغرب المرء أن يستخدم طفل ذو سنة واحدة جهاز التكنولوجيا ، كيف ؟ ذلك بعد انتشار أجهزة التكنولوجيا في كل  مكان حتى في غرف النوم والحمام ( دورات المياه ) وغيرها ، حتى ظهرت دراسات ومقالات عن تأثير هذه الأجهزة على صحة الأطفال وعلى ضعف تركيزهم في المدارس ، مثل  مقالة " العودة إلى مرحلة الطفولة " للكاتبة  نانسي كارلسون بيج  Nancy Carlsson-Paige " التي تناولت أثر التكنولوجيا على إبداع الأطفال وهذه المقالة قد نشرت في جريدة واشنطون بوست Washington Post .

     لم يكن هناك وقت للتفكير في كيفية تدفق التكنولوجيا الذي أثر علينا وعلى أطفالنا ، وقد أغرقت الأسواق العالمية بالألعاب الالكترونية خاصة المتعلقة بتعليم أطفال الحضانة والمرحلة الابتدائية ، ومع أن الدراسات  التي تناولت أثر هذه الألعاب على الأطفال قليلة فأن الأسر ما زالت في غفلة عن هذه الآثار السلبية لماذا ؟

     قد يسمع الباحث من أرباب الأسر عن تعجبهم في تعلم الأطفال من خلال ممارسة الألعاب الالكترونية أو الاستفادة من التطبيقات التعليمية في أجهزة التكنولوجيا ، لكن هل يعرف هؤلاء الناس كيف ينمو الطفل أو ما مظاهر نموه وكيف يتعلم وما أثر هذه الشاشة الصغيرة أقصد جهاز التكنولوجيا عليه ؟

بداية ما يجب أن نعرفه نحن :
     ظهرت دراسات كثيرة تتناول نظريات نمو الأطفال وكيف يتعلمون ؟ والكل يعلم أن الأطفال يحبون اللعب وأن تعلمهم في السنوات الأولى من أعمارهم تعلم نشط ، فيتعلم الطفل مباشرة من خلال اللعب واختلاطه بالناس وبالمواد وبالطبيعة .

     الأطفال يحتاجون إلى التعامل المباشر مع الأشياء من خلال استخدام حواسهم المادية والتحرك والانتقال من خلال ثلاثة مجالات في الحياة ، وهذا يزيد في تعلمهم لكن الآن يقضي الأطفال الوقت الكثير أمام الشاشة الصغيرة بعيدين عن الأنشطة التي تصاحب مراحل نموهم الجسمي والعقلي ، وأطفال اليوم لا يتحركون أو يلعبون كما كان أطفال الأمس .

     الباحثون الذين يعقبوا حالة الإبداع للأطفال منذ قبل خمسين السنة الماضية قد وجدوا انخفاضاً لمستوى الإبداع لدى الأطفال وخصوصاً أطفال مرحلة رياض الأطفال وحتى العمر السادس ، وهذا الانخفاض لمستوى الإبداع والذكاء يعود إلى طبيعة الألعاب التي لا تنمي التفوق لديهم .

أهمية اللعب :
     اللعب عبارة عن عملية إبداعية تنمي الصحة النفسية ، الخيال ، التفكير الناقد وحل المشكلات وإدارة النفس  لدى الأطفال  ، فالأطفال يخترعون الخطط من خلال اللعب ويعملون بطريقتهم لمواجهة التحديات في الحياة بثقة وإحساس نام ، وعندما يلعبون مع الأدوات والمواد الخام فأنهم يبنون أساس المفاهيم والمهارات التي تساعدهم بعد ذلك في التعلم في المؤسسات التعليمية .

     ليس فقط يتعلم الطفل المفردات والمفاهيم أثناء اللعب لكنهم أيضا يتعلمون كيف يتعلمون وكيف يأخذون زمام المبادرة وكيف يطرحون أسئلة وحل مشكلاتهم الخاصة ، والمواد مثل الكتل والطين أو العجين ومواد البناء والتركيب والرمل والماء كلها تشجع الأطفال على اللعب بشكل خلاق وهذا ما قاله علماء الأعصاب في كيفية تعلم الأطفال بهذه الطريقة من خلال المسارات والوصلات الموجودة في الدماغ .

التكنولوجيا ، اللعب ، التعلم :
     ما يراه الأطفال أو يتفاعلون معه عبر الشاشة ليس إلا أمثلة ونماذج للأشياء في عالم الواقع ، ورموز الشاشة لا تقدر توفير تجربة كاملة  للأطفال مثل تفاعلهم مع الأشياء في  العالم الحقيقي - البيئة المادية المحيطة بهم  والناس-   وكما أن ممارسة الألعاب الالكترونية باستخدام الكمبيوتر تعد أكثر نشاطاً لهم من مشاهدة التلفاز فقط ، وأنها قد تقتصر  على ما يحدث بين الطفل والجهاز، إلا أن كل أعضاء جسمه لا تتفاعل أو تتحرك أثناء اللعب ، ولا ينشط الدماغ  أو تتفاعل مشاعره ، وبالإضافة فأن النشاط وكيف يقوم به الطفل يصممه مصممو الألعاب بينما يحتاج الطفل إلى أن يفكر ويخترع ويصمم عندما تتاح له فرصة اللعب وأدواته .

     مثلاً طفلة صغيرة  تريد أن تبني منزلاً وهي في حديقة الحي ماذا فعلت ؟ أخذت تبحث عن مواد مثل ( رمل ، أغصان وأوراق شجر ) لتبني بيتاً صغيراً ، فهي فكرت بفكرة بناء البيت وما المواد اللازمة للبناء والتصميم ومراحل البناء  عندما كانت في الحديقة  ، بينما مع الألعاب التفاعلية ( الالكترونية ) لا يوجد تصميم وإرادة سلسلة وترابط التفكير ليست ضمن سيطرة الطفل .

     العديد من الشركات المصممة لهذه الألعاب الالكترونية تدعي أنها تخدم تعلم الطفل في حين أشارت الدراسات بهذا الشأن إلى عدم وجود أهداف تعليمية تخدم تنمية أسلوب التعلم لدى الأطفال ، وقد تشير الدراسات إلى تعلم الأطفال بعض المفردات والحقائق والمهارات  من خلال ممارسة الألعاب التفاعلية مثل العد من واحد إلى عشرة لكن لا ينبغي على الآباء أن ينخدعوا بهذا النوع من التعلم هو الأساس ، صحيح أن التطبيقات والألعاب تشجع الأطفال إلى ضرب الرموز – الحروف- لاختيار الإجابة وهذا التعلم يعزز أسلوب التلقين والحفظ وهو تعلم سطحي ، على سبيل المثال يمكن أن يعرف الطفل الإجابات الصحيحة  من 2+3=5 من خلال اللعب المتكرر للعبة الرياضيات الالكترونية ولكن لا يدرك الطفل المفاهيم الكامنة وراء الرقم .

كيف يؤثر الوقت المستغرق من خلال الشاشة على العلاقات ؟
     منذ سنوات قليلة مضت كان من السهل إغلاق الجهاز أمام الأطفال بأي سبب لكن هل ترعى مشاعر الطفل ودموعه تنهمر وهو لا يتابع ما شاهده على شاشة التلفاز ؟

     لكن اليوم توجد فرص لا نهاية لها تجعل الأطفال يمارسون الألعاب المسلية أباستخدام الشاشة ، لكن إذا منعناهم هل يشعرون فرصة التعبير عن مشاعرهم ويناقشون وهم جلوس صامتين ؟

     أجهزة الشاشات تشغل الوقت وتلهي وتوفر وقت الترفيه للأطفال ، مع  استغراق الوقت في اللعبة قليل لكن توجد عادات سيئة  لكلا الطرفين بالنسبة للطفل يتعلم من  محيطه  خارج نفسه  لأجل السعادة والترفيه في الأوقات الصعبة ، وبالنسبة للوالدين عادة الاعتماد على الشاشة في التعلم بدلا من تنمية الإبداع لدى الطفل من خلال إتاحة  فرصة تعلم أو توفير برنامج خاص له .

     لا بأس بتجربة  جد قال فكرت كيف نستغل جهاز التكنولوجيا في تنمية الكفاءة النفسية والاجتماعية للأطفال منذ سنوات ماضية  عندما بدأنا برحلة مع أفراد العائلة  وقد يحاول الجد والجدة اصطحاب الأطفال في عطلة الأسبوع لكن احدهم أخذ يبكي قائلا يجب أن أقول : مع السلامة لأمي أننا نشعر بالحزن ونحن بعيدين عنها ، قال  الجد  أو الجدة أنها ليلة واحدة نقضيها بعيداً أمك وفي الغد سوف نعود وأمك تنتظرنا .

     عندما بكى احد الأطفال أعطاه الجد لوحة آيباد فيه تطبيقات وألعاب كي ينسى ألم  الفراق عن والديه ، وقد يستعين الجد بالكمبيوتر لعرض رسوم متحركة وأفلام أطفال لكن فكر الجد  أن هذه الأجهزة تعارض أهداف تنمية المرونة الذاتية والمهارات الاجتماعية لدى الأطفال ، قد يقلق الناس أن أطفال اليوم يتعاملون مع المشاعر والعلاقات بشكل ذهول وحيرة  لذا أصبحت هذه الأجهزة بدائل سهلة لهم لتجارب الحياة الداخلية والتفاعلات الشخصية التي يحتاجها الأطفال في فترة نموهم .

ما التوجيه الذي نجده ؟
     الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال وفرقة العمل لمكافحة السمنة للبيت الأبيض أوصتا إبعاد الطفل الذي يبلغ سنتين من عمره عن أي جهاز تكنولوجيا  مع تحديد الوقت المستغرق أمام الجهاز  بالنسبة للأطفال الأكبر  من السنتين ، ولعل ذلك معيار يجب الالتزام به كآباء وأمهات الذين يبحثون عن صحة الأطفال النفسية والجسدية ، لذا مع تحديد وقت الشاشة يجب عليهم أن يوفروا أماكن  كي يلعب الأطفال فيها لأنهم بحاجة إلى اللعب في كل يوم ، اللعب مع الأدوات والخامات ينمي فيهم الإبداع وتوسعة تفكيرهم .

     مع تجنب شراء الألعاب والدمى الالكترونية للأطفال وإذا كان الطفل يلعب بالألعاب الالكترونية يجب إدخال  المواد والأدوات له كي يستخدمها مثل كتل وأشكال وأحجام  وطين وألوان كي يقوم باللعب معها .

أقول :
     نكرر القول أن  إعطاء الطفل أي جهاز الكتروني لا يعني توفير ألعاب له أو جعله يلهى كي  لا  يزعج الوالدين أو الضيوف وإنما  يجب تحديد وقت للعب كي يشعر الطفل بأهمية الوقت وتوزيعه مع التأكيد على اللعب التربوي الذي يخدم المنهج المدرسي  أو ينمي المهارات الذاتية والاجتماعية للطفل .


المصدر :


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق