الأحد، 13 أغسطس 2017

اضطراب الانفصال ، دعنا نسميه ما هو ؟





اضطراب الانفصال ، دعنا نسميه ما هو ؟
Detachment Disorder – Let’s call it what it is
بقلم / Cris Rowan
18/6/2014
ترجمة الباحث / عباس سبي
أغسطس 2017

كلمة المترجم:
هذه المقالة تعكس هموم طبيبة الأطفال واسمها " Cris Rowan " وقد نقلنا بعض همومها في مقالات أخرى مترجمة في موقعنا المسار للبحوث التربوية والاجتماعية وتتمثل هذه الهموم بمعاناة أفراد الأسر من سلبيات سوء استخدام الأجهزة المحمولة لا سيما الأطفال الصغار، لذا هي لا تؤيد إدخال التكنولوجيا في مناهج دور الحضانة ورياض الأطفال والسنتين من مرحلة الابتدائية ، ومع التأكيد على التوازن بين وقت استخدام التكنولوجيا للتعليم وللتسلية وبين وقت ممارسة النشاط البدني خارج المنزل ، و تنظر نظرة تشاؤم إلى دور اجهزة التكنولوجيا في مجال التعليم إلا أنها تحاول أن تنشط دور العوامل الحاسمة لنمو وتعلم الأطفال وهي : الحركة واللمس والاتصال البشري والتعرض للهواء الطلق ( الطبيعة ) ، فهل حان الوقت كي يفكر مسئولو التربية والتعليم بدول العالم بنصائح هذه الطبيبة ؟     

مقدمة :
أخبرني أحد الزملاء المحزونين مؤخرا أن وسائط التواصل الاجتماعي تستخدم لإغراء الأطفال الصغار واصطيادهم من قبل جماعات تقوم بعد ذلك بتوجيه هؤلاء الأطفال إلى تجارة الجنس ،  كيف يمكن أن يحدث هذا ؟ وأين أولياء أمور هؤلاء الأطفال؟ في كل مرة يتم تسليم الطفل جهاز دون مراقبة وإشراف من الوالدين ، يصبح الأطفال في خطر لانحرافهم عبر الانترنت ، أو ممارسة ألعاب الفيديو العنيفة أوتعاطي المواد الإباحية وارتكاب التسلط ( البلطجة  ) أواستغلالهم جنسياً ،  وتحدث هذه الحوادث بشكل متزايد ، فالوالدين لا يسلمان طفل عمره سنتين سكيناً خوفا عليه ، فكيف لا يفكران وهما يسلمانه جهازاً أكثر ضررا وقد يدمن على استخدامه ، وفي حين أن الآباء قلقون في تناول الطفل طعام فاسد إلا أنهما يتركانه بقضي ساعات وهو ضائع في عالم افتراضي ( الانترنت ) خال من جميع العوامل المهمة لنموه وتهذيب سلوكه وتعليمه .

سلبيات أجهزة التكنولوجيا :
 يفتقر هؤلاء الأطفال "المنفصلون" إلى الحركة اللازمة واللمس والاتصال الإنساني والتعرض إلى الطبيعة ويستشير أولياء لأمور الأطباء على نحو متزايد بسبب السلوكيات الخاطئة لدى أطفالهم ، مع فقد شخصيتهم وانعزال عن أولياء أمورهم ، وينجرفون في بحر من عدم اليقين ويعانون من إهمال الوالدين، ولا توجد قواعد أو منهج ليصبحوا كائنات اجتماعية تعتمد على الذات ، بينما يتميز هؤلاء الأطفال بالعدوان وضعف التنظيم الذاتي والعزلة الاجتماعية وتنتابهم الأمراض النفسية التوحد والاكتئاب والقلق والعنف والتسلط ومحاولة الانتحار ، وفي الوقت الذي يكافح فيه الآباء والمعلمون من أجل  توفير العلاج لهم فأن هناك نقصا في التمويل ، هذه المقالة تصف ما يعاني الوالدين  من القلق من حالة الإدمان لدى أطفالهم التي تهدد حياتهم.

بمجرد أن يولد الرضيع في الدنيا فإن وظيفته هي تكوين تعلقه بوالديه ، هذه المهمة تنطوي على نحو متزايد بتنافس مع أي جهاز يتم تقديمه له : الآيفون ، الآيباد ، التلفاز او الكمبيوتر ، وفي حين ينظر الأب ، الأم  في شاشة الجهاز ، يتعلم الرضع  أنه لكي يقوي علاقته مع جهازه فإنه يجب قمع حاجته للاتصال البشري، وأيضا التحديق في الشاشة ، وبالتالي لإرضاء والديه عنه عليه أن يرتبط بجهازه أكثر ، الآباء يعززون هذا الانفصال من خلال التفاخر أمام الأصدقاء "انظروا كيف أن الرضيع مهتم بجهاز الشاشة"، كما لو كان هذا يدل على نوع من الذكاء أو لديه مهارة متقدمة، ولكن يشعر الرضيع من الداخل بالقلق بسبب بعد الوالدين عنه وتركه مع الجهاز .

الدخول إلى الجهاز عبارة عن إنقاذ لحياة الطفل ويتسلى به في غياب إهمال والديه عنه ، وتصبح لديه حالة الإدمان وأيضا يعاني والداه من هذه الحالة فالكل مشغول بالجهاز وهكذا تبدأ الحياة في القرن (21) ومما يؤسف له أن هناك تكلفة هائلة يتحملها الآباء والمعلمون والمجتمع في نهاية المطاف ككل ، أن تكلفة الفصل عن الأطفال هائلة ومكلفة وغير مكشوفة عمليا من قبل اليوم مسئولي الصحة والتعليم و الخدمة الاجتماعية ... ولكن ليس لفترة طويلة .

 دور الحضانة ورياض الأطفال والمدارس ومراكز الشباب بعد المدرسة ومراكز المجتمع المدني تهمل جاهدة لرعاية هؤلاء الأطفال المنفصلين، الذين يبدو أنهم يفتقرون إلى جميع المهارات الاجتماعية، ولا يمكنهم الانتظار أو التناوب ويبكون باستمرار، وتنتابهم نوبة الغضب ولا يسيئون إلى الآخرين ، وإذا كان الطفل يتكلم بذكاء ( لا يمكن ان يدخل المدرسة لافتقاره إلى المهارات الأساسية ) وإن دخل فهو يواجه التحدي والاضطراب ، هؤلاء الأطفال منفصلون وبائسون ويطلبون المساعدة في كل مكان ، ولم يكن هناك أحد يساعدهم ، وكان عليهم أن يتعلموا كيفية تدبير لأنفسهم  وفعلوا من خلال النزاع واللكم والركل والتعنيف ومعيارهم الدفاع عن أنفسهم في هذا العالم ، وتأثروا بالألعاب العنيفة مثل لعبة سرقة السيارات وتعاطي المواد الإباحية طلباً للشهرة ، حتى الفتيات وقعن في  "فخ الحب" ، أصبحن ضحايا للافتراس الجنسي من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية وفي الغالب من خلال الفيسبوك، وهذه الفتيات يقعن بأيدي تجار الجنس ، وأصبحت تجارة بالبشر أكثر رواجاً من تجارة السلاح أو المخدرات ، وهي تنمو باطراد ، وأصبح الأطفال في سن (6) يتعرضون إلى أفلام الجنس والدعارة فيعانون من الأمراض النفسية والانتحار

الأسر عبارة عن مجموعات بشرية وكل فرد منعزل عن الآخر ، ولكنه لا يستمر في البقاء ، لذا يجب على  الوالدين الجلوس مع الأطفال ومناقشة كيفية استخدام أفراد الأسرة للتكنولوجيا ولماذا ينعزل كل فرد عن غيره ، ولقد حان الوقت للتفكير بالمشكلة أنها " شخصية " وليست " نظامية ورسمية " ، ثم  أن المشكلة لم يوجدها الطفل ، وإنما هي مشكلة الآباء والمعلمين الذين يسلمون الأجهزة إلى الأطفال بدلا من التفاعل معهم  في كولومبيا البريطانية أعادت وزارة التعليم تسمية المعلمين مع مصطلح "الميسر" مشيرا إلى أنه في المستقبل سيكون كل التعليم عبر الانترنت ، والتحرك نحو استبدال المعلمين بالحاسوب ، وهذه المبادرة لا تفتقر إلى الحكم السليم والأدلة البحثية فحسب ، بل إنها تفكير متخلف تماما، وستؤدي إلى تناقص ليس فقط بالإلمام بالقراءة والكتابة والقدرة على التعلم، بل أيضا على تخلف البشرية .

الأجهزة لا يعلم الأطفال وإنما المعلمون ، الأجهزة لا تزرع المودة والرأفة والتعلق في نفوس الأطفال وإنما هذا دور الأبوين ، لقد حان الوقت للتخلي عن الأجهزة والاهتمام بالأطفال ، ولكن فات الأوان بالفعل  .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق