السبت، 17 يناير 2015

الانقطاع الكبير أو العزلة في عصر التكنولوجيا






الانقطاع الكبير  أو العزلة  في عصر التكنولوجيا
ترجمة  وتعليق الباحث  / عباس سبتي

     التكنولوجيا الجديدة قد غيرت جذرياً طريقة اتصالنا مع الآخرين ، المراهقون والشباب يعتمدون على الرسائل النصية ومواقع التواصل الاجتماعي للحصول على المشورة والصداقة ، أشارت دراسة حديثة أن الأطفال والمراهقين بين أعمار (8-18 ) سنة يقضون أكثر من سبع ساعات أمام أجهزة التكنولوجيا  في اليوم ، وأولياء الأمور الذين يعملون بالمنزل ينفقون أكثر الوقت في استخدام الهواتف المحمولة وغيرها .

     في كتاب جديد قد صدر  أن عالمة النفس " Catherine Steiner-Adair "  أستاذة  بكلية الطب النفسي بجامعة هارفارد ، تخصص علم النفس السريري ، قالت  أن الاستخدام المفرط للتكنولوجيا قد يعرض الأطفال والمراهقين إلى سلوكيات خاطئة التي تشكل خطراً على نموهم الطبيعي ، وأضافت أن للتكنولوجيا آثاراً سيئة على علاقات أفراد الأسرة والرعاية الأبوية ، وقد تمت مناقشة هذه الآثار في حوار صريح مع عالمة النفس :

     كل سنة تجد تآكل قدرة انتباه الطلبة وتفكيرهم بسبب تأثير التكنولوجيا ، ويصبح القارئ مطارداً وهو يبحث عن المعلومات عبر الانترنت ، بل يقفز القارئ حول قطع صغيرة جداً ومجزأة  من المعلومات ، وطلبة المدارس يجدون صعوبة في الغور في المحتوى ، حيث يحددون مقالات كثيرة ودراسات بشان حوادث الطرق بسبب الانشغال بكتابة الرسائل النصية أثناء قيادة السيارة ، أو جرح المارة عندما يقرؤون الرسائل وهم يعبرون الطريق ، والكل يعلم أن عامل الانشغال والتلهي من أسباب هذه الحوادث وأن التركيز والانتباه يحافظ على حياتنا وحياة الآخرين .

     قال مراهق عمره (16) سنة قد ارتطمته سيارة أثناء عبوره تقاطع رئيس لأنه فشل لاستجابة " علامة " لا تمشي" للمشاة ولم يكن يكتب رسالة نصية أو يسمع إلى أحد أثناء العبور ، ويعتقد أنه نظر نظرة سريعة ليرى  إن فقد شيئاً ومع انتباهه إلى هاتفه سمع صفارة إشارة المشاة لكنه لم يلحظ سيارة قادمة من جهة معاكسة .

     نحن نقلق بطريقة التكنولوجيا التي تدرب الأطفال على الاتصال القهري ، ونحن نشعر مع الوقت مع بلوغ الابن (16) سنة فأنه يصبح كبيراً ليعلم أن عليه الانتباه عندما يعبر الشارع ، ولكن الواقع أن حالة التكنولوجيا تجعل الانتباه مشتتاً .

     ونحن بالكاد نقاوم الاطلاع  على البريد الالكتروني أو على الرسائل النصية  أثناء قيادة السيارة  ، وبالتالي تؤكد النفس أنها تسيطر على الوضع أو على السيارة من أجل اجتناب سيارة أخرى في اتجاه معاكس لنا .

     على الرغم من تحذيرات وزارة الصحة  بشأن كتابة الرسائل النصية أثناء قيادة السيارة أنها تشبه حالة السكر أثناء قيادة السيارة  واحتمال وقوع حادث مروري يبلغ ( 50%  ) وماذا عن غير الانضباط القهري الذي يؤدي بنا إلى تعرض حياتنا وحياة الآخرين إلى خطر ؟ وحتى الذين نحبهم فانا نفحص وننتظر لحظة أكثر أمنة ، ومع وقوع أجهزة رقمية بأيدي الرضع وأطفال الروضة والحضانة نعتقد أنهم قد كبروا .

هل تسمعني الآن ؟
     فن المحادثة هل فقد في عصر التكنولوجيا ؟  لقد كان الناس قبل ذلك يعيشون كأسرة كبيرة من جد وأب  وأم وأطفال يأكلون مع بعض ويجلسون مع بعض ويأخذون قسطاً من الاسترخاء بعد الأكل ، وبعد ترك المطبخ وصالة الطعام لكن المحادثة مستمرة بين أفراد الأسرة ، قد يجتمع أبناء العمومة على ممارسة لعبة أو مشاهدة التلفاز لكن المحادثة مستمرة بين  أفراد العائلة الكبيرة في أي شيء أنه نوع من الأدب الاجتماعي أن يستمع الصغير إلى الكبير ، بينما الآن قلة المحادثة بل والالتقاء بين الأفراد في مكان واحد ، الكبير يشتكي من العزلة وعدم مجالسة الصغار معه  ، واشتغل المراهقون والشباب بكتابة الرسائل النصية باللغة الركيكة .

     المشاركة في تبادل الحديث مع أفراد الأسرة أصبحت بطيئة الاستجابة بل ومملة لدى المراهقين ، في مقابلة شخصية لاستطلاع آراء المراهقين عددهم (600) مراهقاً قبل أربع سنوات ، أفادوا أن كتابة الرسائل النصية هي طريقتهم الرئيسة في التواصل ، وأصبحوا لا يهتمون بدعوة أي أحد من اجل محادثتهم ، وإذا أراد الأب دعوة ابنه فأنه سوف يستعين بالرسائل النصية كي يخبره أنه يريد التواصل معه ،  واعتاد المراهقون بكتابة الرسائل النصية السطحية ، وأصبحوا ينفرون من المحادثة العفوية بل ويتجنبوها مع الأب ، الأصدقاء وأي أحد .

     يصف المراهقون المحادثة عبر الهاتف أنها مركزة بشدة ،  يحتاج الإنسان إلى  التواصل مع المحدث عبر صوته مباشرة  كي يشعر بمشاعره ، وقد يشعر المرء  أن المحادثة عبر الهاتف تصبح محفوفة بالمخاطر  خاصة إذا لم يرد على المجيب لكن مع كتابة الرسائل لا يشعر الإنسان بمشاعر غيره كما بالنسبة للمحادثة المباشرة .

     في غياب المحادثة فأن المراهقين يصبح لديهم سوء فهم لمن يتواصلون معه  بسبب عدم سماع الصوت ، والنتيجة الحذر الشديد والتراخي عن فن الكلام والقدرة النفسية لتقبل الآخر وهذا ينطبق على البريد الالكتروني الذي تخلوا عنه أيضا ، وقد اعترفت فتاة جامعية بالقول: أن جيلنا يتواصل مع غيره عبر الرسائل النصية والفيديو والدردشة في فيسبوك لكن علاقتنا ضعيفة مع أصدقائنا .

     وفي إحدى الدراسات التي أجريت على الأطفال الرضع تبين أن الطفل يميز صوت أمه عندما تناديه بينما لا يستطيع أن يميز صوتها  المسجل عبر شاشة الآيباد  .

     ليزا " Lisa " قالت : عمري (15) سنة أحضر جلسة علاج  ، وكانت تتواصل مع صديقاتها عبر جريدة أو مدونة سرية أو الدردشة والرسائل النصية ، وكانت تجربة التكنولوجيا مزعجة ومملة وكانت " ليزا " تكره " نشاط الانعزال " حيث أن كل طالب يجلس لوحدة على صخرة ومنفصل عن غيره يعمل نفس الشيء في الغابة ،  لماذا يجلس المراهق لوحده في الطبيعة عندما يكتب إلى أصدقائه ؟ هل يشاركونه نفس الأفكار ؟ ليزا لم تسمع أن عجزها يجعلها تبقى وحيدة في الطبيعة ، والمدرسة تحاول أن تجرب الأسلاك التي تربط الطلبة ببعضهم بعض  ، وقابلية  الطالب أن ينسى نفسه ويفكر بمشاعر غيره وبتصوراته وملاحظاته .

     كانت ليزا عاجزة أن تعيش تجربة الهدوء ، الإبداع والاتصال ذا مغزى مع نفسها ، لماذا لأن القابلية تأتي مع الممارسة ، مثل أي طالب أو مراهق " ليزا " تتوقع أن تكون قادرة أن تعبر عن مشاعرها كتابة كما تعبر عن مشاعر غيرها ، بالنسبة لها الكتابة هي وسيلة التي تؤدي إلى وعي الذات  وتسمع نفسها تحدثها ماذا تفكر فيه ، تقول ليزا نفس الأشياء مثل : عندما أكتب للصديقة أشعر بها كما أن تجربتها لا توجد بداخلها إلا إذا كتبت إلى صديقاتها  ، في الحقيقة أنها تجاهد من أجل توليد هذا النوع من البصيرة والوعي الذاتي خارج الانترنت . أخيراً خضعت للعلاج  وهي تكتب عن نفسها أو لنفسها لتعزز الاتصال بنفسها ولتتعلم كيف تكون حليفة نفسها . أن دافعية أعصاب الأصابع تحثها على التواصل إلى جانب حالة الإدمان لضرب لوحة المفاتيح من أجل أن تكتب .

ماذا أريد أن أقوله ؟
     تحتاج إلى أولاً أن تعرف أفكارك ومشاعرك قبل أن تتواصل مع غيرك ، سرعة التواصل عندما نكتب تتداخل مع العملية العصبية والنفسية للتواصل مع الغير ، والمحادثة هي الطريقة الوحيدة التي نعبر  عن إنسانيتنا في العصر  الرقمي وتبقى المحادثة طريقة اجتماعية حيث يزود الآباء أولادهم بشيء لا يحصلون عليه عبر التكنولوجيا ، ويعتمد الأولاد على ذويهم من أجل رعايتهم .

     الحياة والدنيا غير صغيرة وإنما الشخصية والفرد لأنها الدنيا تعج بالتفاصيل والتعقيدات ، فالمحادثة تحاول أن تجزأ وتفصل الأشياء   بينما التكنولوجيا لا تفعل ، وهنا يأتي دور الوالدين فالأطفال قد يكرهون دعوتهم إلى تناول الطعام مع الأسرة وهم مشغولون بممارسة الألعاب الالكترونية و مشاهدة الرسوم الكرتونية ، ومع أنهم لا يفقدون  ممارسة المحادثة ولكن يشعرون بفقدان الاتصال .

     عائلتي مشغولة ، قال صبي في المدرسة المتوسطة ، أبي يعمل لساعات متأخرة وأمي تعمل طوال اليوم ثم تأتي لتطبخ وتغسل الملابس وترتب الأثاث ، وأنا علي أن احل واجباتي  ، وعندما نجلس معاً فأن الكلام القليل يدور بيننا ولا نشعر ولا نحس ببعضنا فلا يكون سوى التواصل بالجهاز التكنولوجي .

     نحن لا نستطيع أن نتحكم بالثقافة خارج المنزل ولكن من الوالدين يمكنهما خلق هذه الثقافة في الأسرة والمجتمع ، الأولاد يريدون أن يكون للوالدين دور أكبر من خلال استعادة الرقابة الأبوية لمعرفة ما هو صحيح والاستفادة من الموارد المتاحة لمساعدة الأولاد خاصة في البيئة التكنولوجية في يومنا هذا حيث توفر الأسرة الحماية والتعاطف للصغار وزيادة المحادثة بين أفراد الأسرة .

     كلما تعلم الوالدان أساليب الرعاية والتربية فأنهما ينجحان في التعامل مع الأولاد في عصر التكنولوجيا مع مراعاة  خصائص مراحل النمو  للأولاد ذكوراً وإناثاً ، وتشير الدراسات إلى أن الدماغ يستمر في النمو كلما نكبر ، كذلك تشير دراسات أخرى أن الأيام والأشهر الأولى للطفل فأن الدماغ ينظم نفسه للتعلم مدى الحياة .

أقول :
     هذه صرخة من أستاذة جامعية تريد أن تبين سلبيات العزلة  التي يعيشها الأطفال والمراهقون بسبب أجهزة التكنولوجيا وأصبح الحوار أو الكلام بين الصغار والكبار معدوما وهذا يؤثر على لغة الصغار بل وانكبابهم على الكتابة الالكترونية تجعل أسلوب الكتابة ضعيفاً لأنهم لا يعتمدون على قواعد اللغة بل على كلمات ركيكة غير مفهومة لدى الكبار ، اطلع على مقالتنا بهذا الشأن في موقعنا المسار للبحوث التربوية والاجتماعية .

المصدر :

كتاب :
Catherine Steiner-Adair: “The Big Disconnect



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق